يمكن تلخيص مسألة الإستعمار الإستيطاني في فقرة واحدة بسيطة، تتضمّن كل التعقيدات والتفصيلات التي جرى "إختراعها" أساساً لإلغاء القضية الأصلية: تعمّد. . .  قطاعات من المستعمرين الذين يكونون في الأساس جزءاً من قوّة إستعمارية، أو على علاقة عضوية ووظيفية معها، الإستيلاء بالقوّة والخديعة على أراض وموارد وبشر. إن "الشرعية" الوحيدة هنا هي "شرعية القوّة" والوسيلة المتاحة هنا هي القتل والتهجير والتشويه؛ لا يوجد أيّ مبرّر مادّي أو أخلاقي أو إنساني يمكن أن يُسبغ الشرعية على الإغتصاب، أو الحديث عن وطن، وعن القهر والإبادة الجماعية والتهجير، أو عن الشعب الأصلي صاحب الأرض، نفس الكلام والمبرّرات حينها، ونفس الكلام والمبرّرات الآن، والتاريخ لا يتوقف عن إعادة نفسه بسخرية مرّة: يريدون أن يحضّرونا ويحرّرونا، ويدهم الممتّدة تنهب الثروات والأرض والموارد. هذه الدراسة الشاملة لا تنطلق من الحديث عن التصالح، والتعايش المشترك، والسلام، فقبل كلّ ذلك، لا بدّ من تهيئة الأرضية العادلة التي يقف عليها الناس متساوين، بدون ظلم أو إفتئات، أما أرضيّة الكيانات الإستعمارية الإستيطانية، فهي أرضيّةٌ ظالمةٌ بالضرورة، فمعيّةٌ بالضرورة، ومنحازةٌ بالضرورة. ومن ثمّ، تسعى هذه الدراسة إلى تحليل الصراع العربي - الإسرائيلي من منظور جوهري ينبغ من مفهوم "الظاهرة الإستيطانية"، ومعنى ذلك أن الصفة الأساسية للكيان الإستيطاني في إسرائيل، والتي يمكن إعتبارها مفتاحاً لفهم العديد من أوضاعته الإقتصادية - الإجتماعية؛ فضلاً عن تفاعلاته السياسية، تتمثّل أساساً في أنه "تكوينٌ إستيطاني". تبلور في إطار المفاهيم الإستعمارية ذات الطابع العنصري، وأساس ذلك أن جذور الصراع العربي - الإسرائيلي تمتدّ إلى أصل تاريخي - إجتماعي مشترك، كما أنه يرتبط بالبنية الإجتماعية والمصالح السياسية والإقتصادية للدول الغربية، التي تقدّم أشكال الدعم والتأييد المختلفة إلى "إسرائيل" التي تمثّل مظهراً وضعياً لظاهرة الإستعمار الإستيطاني، وعدواناً ثقافياً وسياسياً وإقتصادياً على شعوب الأمة العربية الإسلامية.   Show.