من حانة جلجامش على البحر، وأسئلتها الأولى، إلى حانة في باريس أو عدن، أو مراكش، يواصل البشر رحلتهم الطويلة العجيبة: رحلة البحث عن مكان يلتقون فيه أ. . .  حراراً، و يفترقون أحراراً، متمتعين بألفة مستمدة من علائق المكان ذاته، حيث تنبعث دواتهم وتتألق باهرة، في سياق اجتماعي مفتوح. إن هؤلاء، الذي يدخلون الحانة من بابها، والذين لا يعرف أحدهم الآخر، يعرفون جميعاً، في قارة أنفسهم ونواياهم، أنهم داخلون ليتعارفوا، ويتمتعوا، بدون التزام مسبق. قد لا يتبادلون حتى التحية المعتادة، لكنهم في دواخلهم، يتبادلون تحية خفية، مثل مسرب ماء ع1ب تحت قشرة رمل أو حجر، قشرة حملوها واحتملوها منذ عشرات القرون. إنهم يدخلون معهم، حين يدخلون، مكتنزا جميلاً ورثوه: ثمت ما تمكن تسميته ثقافة الحانة، بما فيها من عون، وشهامة، واعتبار، وتهذيب، وعناية بالنبات والمأكل والمشرب والملبس والطيب. وهي ثقافة اغتذتها، مع القرون، وغذتها، شعوب وقبائل، وعوائد وأفكار وعلوم. هكذا نفهم جانباً من إلحاح أبي نواس على أطروحة القدم. ومن هنا، يكون بمقدورنا، أن نتقرى أفضل ذلك الختم الطيني، حيث السومريون متحلقون حول جفنة خبز سائل، جعة يستافونها بقصباتهم الطويلة. طقس علاقة بشر فريدة، لا يمكن أن يكتمل، إلا داخل علائق المكان إياه: الحانة.   Display.